لم أذق طعم النوم ليلا وبقيت في الفراش أتحرق غيظا حتى أسعفتني فكرة النهوض والكتابة لأجعل مما رأيت وعاينت بنفسي عبرة وفكرة قد تفيد مسلما وتنفعه، وشكرت قلمي لأنه ربما من يجعلني أستفيد من ألامي بتحويلها عبر المداد إلى أفكار تشفيني وتنفع من قد يقرأ.
بدأت تلك الحكاية عندما إضطرتني ظروف قاهرة للخروج من عزلتي الإرادية وغيرت بهذا الخروج قناعة كانت تسكنني بأن الكاتب يحتاج إلى خلوة مطولة ورأيت أن إنخراط الكاتب في المجتمعات المختلفة وحصوله في النهاية على ساعات قليلة من الخلوة هي الأمر الرائع.
وجدتني مضطرة للتواجد بين عائلات مختلفة وبيوت متقاربة تجمع تلك العائلات ورأيت نماذج مختلفة من النساء والزوجات والأمهات وعاينت طرق عيشهن وتربيتهن لأولادهن وحسبي من سرد الحكايات عبرة سأحكي عنها في نهاية المطاف..
* أما الأولى فقد كانت زوجة وأم لثلاثة أطفال وقد بدأت زواجها بتسجيلها في الجامعة ورافق سنواتها الدراسية الأربع إنجابها لثلاثة أولاد رائعين، وأدهشتني معدلاتها العالية في الجامعة وتوجت ولادة طفلها الثالث بتخرجها من الجامعة، كنت أكثر من قول -ما شاء الله لا قوة إلا بالله- وأنا أراها بأناقتها الملفتة في داخل المنزل وخارجه وكنت أتعجب من سرعة تغييرها لتسريحتها ولون شعرها وتجديدها الدائم لمظهرها مع حفاظها على منزل في غاية الأناقة والنظافة التي تريح النفس وتشعرك بالسرور وهدوء البال، وكررت من ترديد العبارة عندما رأيت وتذوقت طعامها وأطباقها المتميزة، كل ذلك توجه حب للقراءة والإطلاع وإنتقيت يومها من مكتبتها الكثير من الروايات والقصص التي كنت أقرأها وأعيدها لها تباعا، وأدهشتني عنايتها بأولادها ونظافتهم وتلك القواعد الطيبة التي يتبعونها في الحفاظ على ترتيب وتنظيف منزلهم وأنفسهم وأسعدتني آيات وسور من القرآن الكريم سمعتها منهم وكلمات كتبتها أقلامهم الملونة الحلوة باللغة العربية والإنكليزية.
* الزوجة الثانية كانت تعيش بداية في منزل أهل زوجها وشهدت بنفسي تطورا ملفتا في نظافة المنزل وتزيينه أعدت الفضل فيها إليها، ورأيتها أيضا ترتدي ذات الملابس في زيارات كثيرة جمعتنا وإستغربت يومها حتى عرفت أنها كانت تصبر على فقدانها للملابس الجديدة مقابل جمعها للمال لشراء منزل يخصها وعائلتها وبالفعل تيسر لها الأمر بعون من الله ونالت منزلا بذلت جهدا كبيرا في جعله جميلا أنيقا بعد طول صبر.
* والنموذج الذي أفقدني قدرتي على النوم وأرقني هو زوجة هجرت شقتها لتعيش في بيت أهل زوجها مع والدة زوجها العجوز ورأيت العجوز تنظف المنزل وحدها في كثير من الأحيان حسب طاقتها الضعيفة ورأيتها تطهو للجميع بنفسها وتبدل ملاءات الأسرة كلها وبحثت طويلا عما يميز تلك الزوجة فوجدتها تجيد حفظ النقود وتدفع بزوجها ليجعل نقوده في مكتب التوفير تاركا مهمة الإنفاق لغيره من أهل البيت، وكانت ميزتها الثانية الهروب من الأولاد الذين تحسن إيداعهم عند الآخرين بحجج تتقنها، والميزة الأخيرة هي حسن إلقاء مهامها على من حولها لترتاح وتستمتع بوقتها، ورأيت النتيجة أطفالا كالقطط لا يعرفون أي نوع من التربية التي تصلح فقط لبني البشر.
هذه قصصي وهذه حكاياتي فهل من تعب وإجتهد وبذل وقته كمن أهمل رعيته وآثر الراحة وترك مهامه للآخرين...
الكاتب: عبير النحاس.
المصدر: موقع رسالة المرأة.